تُبرز التطورات الأخيرة التوترات المتزايدة بين الهند والصين، حيث رفضت الهند عرضًا لمشروع مشترك بقيمة مليار دولار من شركة صناعة السيارات الصينية BYD. يهدف هذا التعاون المقترح إلى إنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في الهند بالشراكة مع شركة ميغا المحلية.
وفقًا لتقارير إعلامية أجنبية، تعتزم BYD وميغا إنتاج ما بين 10,000 و15,000 سيارة كهربائية سنويًا من خلال المشروع المشترك. إلا أن مسؤولين هنودًا أعربوا خلال المراجعة عن مخاوفهم بشأن التداعيات الأمنية للاستثمار الصيني في الهند. ولذلك، لم يحصل المقترح على الموافقات اللازمة، وهو ما يتماشى مع اللوائح الهندية الحالية التي تُقيّد مثل هذه الاستثمارات.
هذا القرار ليس حادثًا معزولًا. فقد عُدِّلت سياسة الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند في أبريل 2020، مما ألزم الحكومة بالموافقة على الاستثمارات من الدول المجاورة للهند. وقد أثر هذا التغيير أيضًا علىسور الصين العظيمرُفضت أيضًا خطة شركة جنرال موتورز لاستثمار مليار دولار أمريكي في تصنيع سيارات كهربائية في مصنع مهجور لشركة جنرال موتورز في الهند. إضافةً إلى ذلك، تُجري الهند حاليًا تحقيقات في مزاعم مخالفات مالية تتعلق بفرع MG الهندي.
أثارت هذه التطورات تساؤلات حول جدوى الهند كسوق للشركات متعددة الجنسيات. تستكشف العديد من شركات صناعة السيارات العالمية فرصًا في الهند، إلا أن العقبات التي تواجهها تشير إلى بيئة أعمال صعبة. ويعكس رفض الحكومة الهندية للاستثمارات الكبرى من الشركات الصينية وغيرها من الشركات الأجنبية مخاوف متزايدة بشأن الأمن القومي والسيادة الاقتصادية.
أطلق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مبادرة "صُنع في الهند" عام ٢٠١٤، بهدفٍ طموحٍ يتمثل في توفير ١٠٠ مليون فرصة عمل في قطاع التصنيع، وترسيخ مكانة الهند كمركزٍ عالميٍّ للتصميم والتصنيع، وأن تصبح ثالث أكبر اقتصادٍ في العالم بحلول عام ٢٠٣٠. وتدعو هذه الرؤية إلى تعديل السياسات واللوائح لجذب الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، تشير الأحداث الأخيرة إلى تحوّلٍ نحو حماية المصالح المحلية والصناعات القائمة، مما يؤدي إلى نهجٍ أكثر حذرًا تجاه التعاون الأجنبي.
من الضروري للهند أن تُحقق توازنًا بين جذب المستثمرين الأجانب لتعزيز الاقتصاد وحماية المصالح الوطنية. وبينما يُفترض توخي الحذر إزاء مخاوف الأمن القومي، من الضروري أيضًا عدم تثبيط الاستثمارات الحقيقية التي تُسهم في النمو الاقتصادي ونقل التكنولوجيا.
لا تزال إمكانات الهند كسوق رئيسية للسيارات الكهربائية هائلة. ويُتيح الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة والتنقل المستدام فرصًا للشركات المحلية والأجنبية. ومن خلال تهيئة مناخ استثماري شفاف وقابل للتنبؤ، تستطيع الهند جذب الشركاء المناسبين، وتحفيز التوظيف، ودفع عجلة الابتكار في صناعة السيارات الكهربائية.
الرفض الأخير لـبي واي دييُمثل اقتراح المشروع المشترك من "أدنوك" نقطة تحول في مسيرة الاستثمار الأجنبي في الهند. فهو يُذكّر بالبيئة المعقدة للسياسات واللوائح والعوامل الجيوسياسية التي يتعين على الشركات متعددة الجنسيات التعامل معها عند النظر إلى الهند كوجهة استثمارية. ويتعين على الحكومة الهندية تقييم التوازن بعناية بين حماية المصالح الوطنية وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال الشراكات الأجنبية.
تتواصل رحلة الهند نحو التحول إلى قوة صناعية عالمية، ويبقى أن نرى كيف سيؤثر تغيير موقف الحكومة تجاه الاستثمار الأجنبي على المشهد الاقتصادي للبلاد. إن قدرة الهند على تحقيق التوازن الصحيح وتوفير بيئة مواتية سيحدد ما إذا كانت ستظل وجهة مثالية للشركات متعددة الجنسيات أم ستصبح مقبرة لها.
وقت النشر: ٢٥ يوليو ٢٠٢٣